هشام الشواني عن الناشطة المصرية التي دافعت عن “المثلية الجنسية” و قضية إنتحارها:”لقد خسر العالم هذه الإبتسامة”

0

القيادة-الخرطوم:أثارت قضية الفتاة المصرية سارة حجازي لغطاً كبيرا في كل المجتمعات العربية و الإسلامية. فأخذت حيزا كبيرا من التفكير من قبل كل من تعرفوا على قصة انتحارها و تسلسلها الديني من الإسلام و حتى الإلحاد.

تناول الكاتب السوداني و الناشط في مجالات العمل العام هشام عثمان الشواني قضية هذه الفتاة و عبر عن مآساتها واصفاً إياها بالصدق في كل ما خاضته في تجاربها الفكرية و الدينية كاتبا:

“لا أخفي حزني وتأثري بهذه المأساة التي جسدتها فصول حياة سارة حجازي ، الإنتحار نهاية مأساوية لحياة الفرد من خلالها يؤكد المجتمع قهره وسلطته، لا ينفصل إنتحار سارة عن أفكارها وتصوراتها حول المجتمع وقيمه وتقاليده و من سيرة حياتها التي لا أعلم عنها سوى القليل، أتلمس مقدارا من الصدق والثورية الشفافة وهنا تكمن المأساة برمتها”.

كما أضاف” لم تكن هذه الفتاة منافقة مدعية بل كانت صادقة و جادة في توجهها وفي إعلانها لمعتقدها ولميولها الجنسية، أتخيلها بإبتسامتها الجميلة وقد إستغرقت وسعها في ثقافة المجتمع المدني الليبرالية وفي ورش العمل حول حقوق المثليين وحرية العقيدة، أراها تسهر الليالي لتقرأ مقالات حول النسوية وعن وضع الحريات الدينية في مصر، في الحقيقة لا يستطيع عقلي تخيل كتب معينة في مكتبتها عن التحليل التاريخي و المادي ، او كتبا من قبيل التناول الموضوعي و التاريخي للثقافة الإسلامية والثقافات المحلية، خارج تنميطات النسوية الثقافية الساذجة وتمظهرها الضحل كبرامج عمل وتثقيف و ورش. سارة صادقة لكنها إختارت طريقا يؤدي في مداه الأقصى إلى الإنتحار في حال كان الإنسان صادقا وحساسا وشفافا كصورة هذه الفتاة. هذا ليس حكما حتميا ولكنها نهاية ذات صلة بالموقف الإجتماعي وآثاره النفسية”.

و وصف الشواني المجتمع الذي تطرق لقضية سارة بأن له “صفتان أساسيتان، صفة (القهر) وصفة أنه (خارج إرادتنا). القهر خاصية يمارسها المجتمع بأساليب ناعمة مثل السخرية و الإستبعاد والرفض والإستنكار او أساليب عنيفة مثل العقاب والتنمر والوحشية. صفة (الخارجية) تشير إلى أن الوجود الإجتماعي لا يخضع لإرادتنا بل يوجهها ويحدد حدودها بالتالي لا يكفي مجرد التفكير أو تبني آراء لحدوث التغيير . الأمر خارج إرادتنا ويتصف بصفة القهر”.

و زاد الشواني “هذه البنية الاجتماعية بالإضافة للجانب المادي تتركب مع قيم ومعتقدات وأخلاقيات، وهذا الكل الشامل يمثل الوجود الإجتماعي ويشمل بداخله جميع الظواهر الإجتماعية.

المؤكد كذلك أن المجتمع في حركة وتغير ، ولكن الليبرالية تعجز تماما عن رؤية المجتمع الشامل وتصوب نظرها نحو الفرد، إنها تتبنى قضايا ذات صفة مثالية فوقية، مثل قضايا الحرية الشخصية والميول الجنسية وقضايا النسوية والعنصرية …الخ ولا تركز على ربط هذه القضايا بالبناء الإجتماعي و معاييره القيمية و تركيبه المادي الديموغرافي.

بالتالي فإن الإنغماس في هذا النمط المثالي الفوقي يقود أرواحنا لتمزقات هائلة ومعاداة عميقة لمجتمع يعيش مرحلة إنتقالية تسمى مرحلة اللامعيارية، تتفكك درجة الإندماج و تضعف مؤسسة الأسرة والتربية ونخضع في عالم عولمي لفوضى عظيمة. إننا نعيش أقصى درجات اللامعيارية

في هذه الحالة فإن نسب الإنتحار ستشهد في مناطق عديدة إزديادا ملحوظا ، نحن أمام إنتحار يسميه دوركايم (الإنتحار اللامعياري)، إنتحار يحدث في مجتمعاتنا بسبب مرحلتها الإجتماعية والأخلاقية الحرجة الإنتقالية.

إنها مأساة حياتنا المعاصرة في كافة أرجاء الكوكب ومما يزيد هذه المأساة هو أن كثير من الفاعلين الصادقين يندفعون نحو فعل اجتماعي مثالي مصادم بلا وعي بالتكلفة العظيمة التي سيدفعونها حين يتحولون هم أنفسهم لضحية إجتماعية. والأخطر أنهم بهذه الطريقة يؤخرون التغيير الحقيقي.

الإتجاهات الليبرالية واليسار الثقافي لاترى حقيقة القهر وحقيقة قصور الإرادة، إنها تنخرط بسذاجة بالغة في ورش عمل حول التغيير تكرس العزلة والإقصاء وتترك الفرد في دوامة صراع قاتل.

الوعي بالحقيقة يعطينا تماسكا وتمسكا بالحياة ولكن سارة حجازي تجاوزت الوعي بالحقيقة لتصبح هي الحقيقة نفسها ، هي الإشارة لما نقاسيه ولما يجب علينا مغادرته فورا اليوم قبل الغد.

كل المكتوب لا يكفي خسارة إنسانة صادقة تذهب بالأفكار الى نهايتها ، لقد خسر العالم هذه الإبتسامة واذا كان ثمة عزاء فهو قولنا الحقيقة في وجه هؤلاء السذج.”

كما ترحم الشواني على سارة حجازي في آخر فقراته قائلا:” ربنا يرحمك و يسكنك فسيح الجنان”

نورا محمد-صحيفة القيادة

Leave A Reply

Your email address will not be published.

ثلاثة × 2 =