الثورة السودانية .. والمجتمع الدولي (2)

0

عبدالمنعم عثمان
انتهينا في مقالنا السابق إلى أن ما حدث من اتفاق بين الرجل الثاني _الأول _ في نظام انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي وروسيا بما يخدم مصالح النظامين. وأخذنا ذلك كدليل على أن ما يسمى بالمجتمع الدولي ليس مجتمعًا متناسق الرؤى والقرارات، ولكنه يعبر في كل حالة عن مصالح الأطراف. وأوضحنا بمثال حي تغير موقف الولايات المتحدة أكثر من مرة على لسان مسئولين في إدارتها من تحول الأمور في السودان بعد الثورة المتفردة بما يعبر عن توازن القوى في لحظة معينة. وكان ذلك المثال بتصريحات مسئولة أمريكية عن أنهم لم يقرروا ايقاف المعونات الموعودة للسودان، إذ أن ما حدث في الخامس والعشرين من أكتوبر لا يعتبر في تقديرهم انقلابًا يستوجب ايقاف المعونات إذ أنه حدث ضد حكومة غير منتخبة! وهو موقف أقل ما يمكن أن يوصف به أنه يصب ماءً باردًا على النضال السوداني والدعم الذي يجده من شعوب العالم وبعض حكوماته. وقد جاءني الآن حديث لمسئول سابق بالبيت الأبيض، هو كاميرون هدسون الذي هو الآن خبير في مركز دراسات الأطلنطي،، يعلق فيه على زيارة الفريق حميدتي واتفاقاته في روسيا، فيقول: إن حدوث تحالف بين روسيا والسودان سيكون له آثار بعيدة المدى في منطقة القرن والساحل الأفريقي ويمكن أن يطلق بواعث جديدة لحرب باردة من شأنها زعزعة الاستقرار وإحداث تغييرات في منطقة القرن والساحل الأفريقي الهشة..
وواصل في تغريدة له على تويتر: (إن السودان الآن معروض للبيع للأعلى سعرًا، داعيًا إلى عدم تجاهل الآثار الاستراتيجية والتكتيكية لزيارة نائب رئيس السيادة- حميدتي- إلى روسيا ونتائجها، مضيفًا أن زيارته كشفت عمق الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السودان والانهيار الوشيك الذي سيشهده). فهل ستتفرج الولايات المتحدة على هذه النهاية المحزنة لثورة هزت الدنيا وزعمت أمريكا أنها ستدعمها حتى الوصول إلى غاياتها من الديموقراطية التي أهدرها الانقلاب قبل الوصول إلى انتخابات تأتي بالحكومة المرادة؟
من الواضح في تصرفات انقلابيي السودان أنهم ينتهزون كل فرصة متاحة، بل ويحاولون خلق الفرص التي تنجيهم من المصير المحتوم بانتصار الثورة الأكيد، غير عابئين بقتل العشرات وقد قتلوا الألاف من قبل ثم تحالفوا مع قادة من قتلوا. فهل سيصعب عليهم التحالف مع قوى خارجية تقتل الناس في أوكرانيا أو في العراق وليبيا؟!
ولعل الرجل الأول الذي أعلن الانقلاب قد سرته نتائج عاد بها رفيقه قد تتيح لهما مزيدًا من أيام الاستمتاع بالسلطة، بل وجعلت الطرف الآخر من المجتمع الدولي يحول دعمه للثورة التي لم يترك فرصة للتغزل فيها وفى شجاعة ثوارها الساعين إلى وضع بلادهم على نفس طريق ونهج المبادئ التي جعلت ذلك الطرف يقدم الرخيص والغالي دعمًا لأوكرانيا التي يزعمون أنها تسعى إلى نفس تلك الطريق والمبادئ! وأخيرًا أليس في كل هذه المواقف لطرفي أزمة أوكرانيا، وهما الطرفان المكونان لما يسمى المجتمع الدولي، أليس فيها ما يؤكد ما هو مؤكد بالفعل من أنه ليس هناك ما يمكن أن يطلق عليه ذلك الوصف ككتلة ذات منهج مشترك؟
ولعل في كل هذا أيضًا ما يؤكد ما ذهب إليه غالبية من تحدثوا من خبراء مظاهرة “كلنا معاكم” من دور ممكن للمجتمع الدولي يحدده الشارع السوداني فحسب. فإذا كان الأمر كذلك، يصبح على الشارع السوداني الواعي أن يعجل بإزالة النظام الانقلابي، حيث أن هذا العرض للبيع سيجد الكثيرين من المشترين. وهنا لا بد من الإشارة إلى التطورات الحادثة في مسيرة الثورة في محاولاتها الجادة في الوصول إلى وحدة شاملة على الأقل للمؤمنين بضرورة انهاء الانقلاب كخطوة أولى ضرورية نحو وضع أسس استكمال المرحلة الانتقالية. وهذا بالطبع لا ينفي ضرورة استمرار تبادل الرأي بين مختلف المؤسسات الثورية في ما يخص أسس الفترة الانتقالية.
غير أن الغريب في موقف طرفي المجتمع الدولي يدل على الخواء الذي تعيشه قيادات الطرفين سياسيًا. فمن ناحية قد يوجد مبرر لقيادات الانقلاب السوداني أن يتخذوا المواقف التي عبر عنها حميدتي ومندوب السودان في الأمم المتحدة، إذ أنهم، كما ذكرنا يسعون إلى انقاذ ما يمكن قبل حلول الطامة الثورية عليهم بالإضافة إلى ضحالة التفكير وقصر النظر الذي تميزوا به حتى على أيام الانقاذ. غير أنه من غير المقبول أن يتصرف قادة العالم أو حتى الإقليم بنفس النهج والضحالة السياسية، وهم يدعمون نظامًا واضح النهاية القريبة جدًا بحكم الشعب والتاريخ. ربما يكون منطقيًا، مع حدة الصراع واشتداده بين طرفي النزاع الدولي، إن يقبل أحدهما أو كليهما التنازل عن بعض حقوقه أو دعم طرف مناوئ للعدو في قضية جانبية أو أخرى، توقعًا لدعم ذلك الطرف في القضية الماثلة. وذلك مثل ما يحدث في الموقف السوري أو الإيراني. أما أن يجازف طرف دولي أو إقليمي بعلاقته مع شعب بأكمله وهو يخرج إلى الشارع على مدى سنوات دون توقف مطالبًا بحقوق منتزعة بواسطة طغمة قليلة العدد ومعروفة التوجه الاتجاه، في سبيل موقف مؤقت، فهذا ما لا أجد له مبررًا عاقلًا!
فإذا عدنا مرة أخرى إلى موقف المجتمع الدولي من الثورة السودانية بشكل عام، وفي غير علاقة بأحداث الحرب الأخيرة، فإننا لا بد أن نتحدث عن جزء آخر هام جدًا من هذا المجتمع، خصوصًا بعد ما أشرنا إليه من توحد الوجهة من ناحية الدول لهذا الجزء منه، ذلك بعد انتهاء مرحلة القطبين، ووصوله إلى محطة التنازع الرأسمالي على مناطق النفوذ، في سبيل الفوز بالمركز الأول في استغلال بقية العالم! وهذا الجزء الهام من المجتمع الدولي هو الجزء الشعبي من النضال الجماهيري الذي خبرناه عديد من المرات داعمًا لنضال شعبنا وشعوب أخرى حول العالم، ليس آخرها، ولن يكون، دعمه لثورة ديسمبر المجيدة. وقد ساعد في هذا انتشار الثوار السودانيين في جميع دول العالم تقريبًا نتيجة التشريد الذي تم بواسطة النظام الانقاذي الذي ظل يتربع على عرش البلاد لثلاثين سنة ولا يزال ممثلوه يعملون على إعادته. ومن الواضح أيضًا أنه حتى شعوب البلدان المتناطحة على المركز الاستغلالي الأول تتحرك دعمًا للسلام ولحرية الجميع. واليوم يعود شعار يا شعوب العالم اتحدوا في وجه رأس المال العالمي اتى من الشرق أو الغرب. وبالطبع لن يخدع هذه الشعوب، بعد كل ما مر بها من محن متنوعة، لن يخدعها شعار الدعم من أجل المبادئ المشتركة في الحرية والديموقراطية والاشتراكية!

Leave A Reply

Your email address will not be published.

إحدى عشر + خمسة عشر =